في بوم الجمعة 13 يونيو 2025، اقتربت البشرية، على ما يبدو، أكثر من أي وقت مضى من حافة اندلاع حرب عالمية ثالثة. لا أحد منا يرغب في مواجهة هذا الخوف، ولكن كيف يمكننا تجنبه، بينما تقوم إسرائيل — على ما يبدو بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة — بتصعيد وضع شديد التقلب في غرب آسيا وتنفيذ هجوم غير مبرر على إيران.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعهد بأن يستمر الهجوم "ما دام الأمر ضروريا لإزالة التهديد الإيراني لوجود إسرائيل"، ملمّحًا إلى أن الهدف النهائي هو تغيير النظام. وبمستوى من المراوغة يرقى إلى الأرقام القياسية العالمية، توجّه إلى "الشعب الإيراني الشجاع" قائلاً: "معركتنا ليست معكم. معركتنا مع الديكتاتورية الوحشية التي قمعتكم لمدة 46 عامًا. أؤمن أن يوم تحرركم بات قريبًا".
وفي التصريح ذاته، ادعى مهندس الحروب المحترف "في دفاعنا عن أنفسنا، نحن ندافع عن الآخرين أيضًا. نحن ندافع عن جيراننا العرب". وتباهى بأن القصف الإسرائيلي المروّع لبيروت عام 2024 ("عملياتنا ضد وكيل إيران حزب الله"، على حد تعبيره) يمكن أن يُعزى إليها الفضل في تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان. وعلى نحو أكثر واقعية، نسب لنفسه الفضل في انهيار حكم بشار الأسد في سوريا. وقال: "شعوب هذين البلدين بات لديهم الآن فرصة لمستقبل مختلف، مستقبل أفضل. وكذلك الشعب الإيراني الشجاع"، على حد زعمه.
ربما يتعين علينا بعد سماع تصريحات نتنياهو، أن نكون ممتنين لأنه لم يذكر "الآفاق المشرقة" التي تنتظر الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية بفضل الرعاية الحانية لقوات الدفاع الإسرائيلية.
-
الهجوم الإسرائيلي يستهدف أركان النظام الإيراني والبرنامج النووي
وبجانب الترويج لفكرة تغيير النظام التي يُفترض أنها حاضرة في سياق الغارات الجوية المتواصلة - والتي تُعد، على الأرجح، الحد الأقصى لما يمكن أن تفعله إسرائيل ضد إيران، ما لم تكن هناك هجمات إرهابية من طراز "البيجر" في الطريق- ، فإن الادعاء الضعيف الآخر لنتنياهو المُحاصر داخليًا هو أن إيران على وشك إنتاج أسلحة نووية، وأن إسرائيل لن تسمح أبدًا لعدوها بالاستفادة من مثل هذه التكنولوجيا.
لقد حال مبدأ "التدمير المتبادل المؤكد" المستند إلى الردع النووي، دون نشوب صراع بين القوى العظمى منذ أن طوّر الاتحاد السوفيتي أسلحة نووية بعد أربع سنوات من الولايات المتحدة، كما أن الوضع النووي المشترك بين الهند وباكستان يُعتبر حديثًا عامل ردع للحرب في جنوب آسيا ، لكن المثير للاستغراب أن الوضع في الشرق الأوسط مختلف لسبب ما، ولا تنطبق عليه هذه القواعد. فهل تعرفون السبب ؟ نعم تذكرت، لأن الجميع يتظاهرون بأن إسرائيل لا تمتلك أسلحة نووية. لقد وقعت إيران على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النوية والتزمت بتطوير برنامج نووي سلمي تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، إسرائيل عضو في الوكالة ذاتها، لكنها لم توقّع على المعاهدة.
من المفترض أن يبدو أمرا كهذا مثيرا للريبة ، لكنه ليس كذلك في حال إسرائيل. فالدولة التي هاجمت ما لا يقل عن عشرة من جيرانها خلال تاريخها الدموي الممتد 77 عامًا، والتي ترتكب حاليًا إبادة جماعية في غزة، تحصل على تصريح مجاني بامتلاك أخطر أسلحة العالم، بينما تشنّ أعمالًا عدوانية لمنع دولة أخرى من امتلاكها.
ومن المفيد أن نتذكر هنا شهادة نتنياهو، وكان أيضا رئيسا للحكومة، أمام الكونغرس الأمريكي في واشنطن عام 2002 قبيل الغزو الأمريكي-البريطاني غير المبرر للعراق. فقد ادعى زورًا أنه "ليس لديه شك" في أن حكومة صدام حسين كانت أيضًا على وشك إنتاج أسلحة نووية.
في ذلك الوقت، نصح داعية الحروب المخضرم، مضيفيه الأمريكيين قائلا"إذا أزحتم صدام ونظامه، أضمن لكم أن لذلك ارتدادات إيجابية هائلة على المنطقة". وأضاف: "وأعتقد أن الناس الجالسين بجوارهم مباشرة في إيران... سيقولون إن زمن هذه الأنظمة، وزمن الطغاة، قد ولّى."
أتساءل كيف انتهى الأمر فعلاً؟
الواقع أن إسرائيل والولايات المتحدة، بمساعدة الناتو وعدد من التابعين، قد تركوا وراءهم مسارًا من الدمار في المنطقة العربية وغرب آسيا، لقد تعرضت كل دولة أبدت نوعا من المقاومة لمنظمة الهيمنة تلك، العراق، سوريا، ليبيا، اليمن، فلسطين، لبنان، السودان ، للعقوبات، والهجوم، والتقسيم، والإفقار، وتغيير النظام، بل وحتى الإبادة الجماعية.
واحدة تلو الأخرى، وبطرق ودرجات متفاوتة، تم "التخلص" من كل دولة مثلت تهديدا لمصالح تل أبيب أو واشنطن، ولم يكن نتنياهو أكثر سعادة من رؤيته لبؤس وخراب أعدائه.
إيران هي آخر من تبقّى واقفًا، وليس هناك ما يتمناه أكثر من رؤيتها تنهار بنفس الطريقة.
لكن أمرا كهذا لا تكفي القوة الجوية الإسرائيلية (ولا الإرهاب الأرضي) للقيام به منفردة.
سيتعيّن على إسرائيل جرّ الولايات المتحدة للقيام بالعمل الثقيل.
وهنا نقف اليوم، عند هذا المنعطف المحوري.
سنكتشف كيف تعتزم إيران الردّ على فتح إسرائيل لهذه الجبهة الجديدة. يبدو أن شيئًا ما يجب أن يُفعل، إذ من الواضح أن إسرائيل تريد إضافة المواقع الإيرانية إلى القائمة الطويلة من الأماكن ، مثل بيروت، جنوب لبنان، سهل البقاع، أجزاء من سوريا، اليمن، وغزة بالطبع ، التي يمكنها قصفها بحرية دون عواقب، لإبقاء أعدائها في حالة شلل.
لكن بعد أن فشلت في الإطاحة بحماس في غزة بعد 20 شهرًا من القصف الوحشي، سنرى إن كانت قادرة على إخضاع دولة مثل إيران، التي تفوق غزة حجمًا وقوة وآفاقًا بألف مرة.
وقد نكتشف أيضًا إلى أي مدى تحتفظ إيران بالقدرة على معاقبة إسرائيل على هذا الانتهاك الأخير.
يؤكد أنصار طهران أنها تملك قدرة صاروخية باليستية هائلة، ظهرت لمحات منها في عمليتي "الوعد الصادق 1 و2" في أبريل وأكتوبر 2024، وأن لديها القدرة على تسوية عدوها الصغير بالأرض، ذلك العدو الذي لا يصمد إلا بفضل القوة الأمريكية.
وقد حان الوقت لمعرفة ما إذا كانت إيران قادرة على تحويل أقوالها إلى أفعال.
وربما يكون تلقين إسرائيل درسًا، وإجبارها على تقليص طموحاتها، هو أفضل سيناريو ممكن على المدى القصير بالنسبة لعالم قَلِق يترقّب تطورات هجمات الجمعة 13 بقلوب واجفة.
لكن إن دفعت إيران أو إسرائيل إدارة ترامب غير المتوقعة إلى أن تصبح ليس فقط مساعدًا خلف الكواليس، بل طرفًا مقاتلًا مباشرًا — فعندها ربما علينا أن نبدأ في الدعاء لتجنب كارثة أوسع.