المعركة بين الخير والشر قديمة قدم الزمن ذاته، وهي متجذرة في المعتقدات الأساسية عبر الثقافات والحضارات. وسواء نظرنا إليها من منظور ديني أو علمي، فإن أصل الوجود غالبًا ما يتم تصويره على أنه صراع، إذا تمثل ذلك في شكل مواجهة بين قوى إلهية أو في الانفجار العظيم الذي أوجد الكون. وفي الوقت نفسه، يذكرنا عدد لا يحصى من الحكم والأمثال، بأن النور لا يمكن أن يوجد دون الظلام. من خلال إدراكنا لهذه الثنائية، نفهم أن الخوف والصراع والمجهول أمور متأصلة في التجربة الإنسانية.
هل لهذا السبب نبذل جهدًا كبيرًا في صياغة الحواديت التحذيرية، نخوف بها الأطفال من الأخطار الكامنة في الأشباح؟ وهل لهذا السبب نتوق إلى القصص التي ترعبنا، حيث تملأ المخلوقات المشوهة والشريرة سيناريوهات مرعبة؟ يمكنني أن أذهب إلى أبعد من ذلك لأقترح أن أدب الرعب -خاصة في السينما- يوفر وسيلة غير متوقعة لكنها قوية للتكيف مع عدم الاستقرار والاضطراب المتزايد في عالم اليوم. مع تدهور الاقتصاد، وتفاقم أزمات الإسكان، واشتداد الكوارث المناخية، وتصاعد الصراعات العالمية، قد توفر أفلام الرعب ملاذًا نفسيًا ضروريًا في أوقات عدم اليقين.
تمتد جذور الرعب، كأداة للسرد، إلى الحكايات الشعبية التي تهدف لتعلم الحذر، و التي تناقلتها الأجيال عبر الثقافات. قبل فترة طويلة من التوثيق المكتوب، كان السرد القصصي الوسيلة الأساسية للبشرية للحفاظ على الحكمة، وخاصة معرفة كيفية البقاء على قيد الحياة. حذرت الأساطير القديمة من الكائنات الخارقة والتقلبات الطبيعية الغادرة، بينما نسجت قصص الأدب الشعبي في العصور الوسطى الأخلاق في حكايات دامية عن سوء الحظ والمصير المحتوم.
في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وضع "الأخوان غريم" Brothers Grimm الأساس لقصص الرعب الحديثة من خلال حكايات كانت أكثر قتامة بكثير من نسخها المعقمة اليوم. لم تكن "هانسل وغريتل" و"ذات الرداء الأحمر" مجرد قصص للأطفال، بل كانت أدلة مشفرة للبقاء على قيد الحياة، تعلم اليقظة والشك والقدرة على التعرف على الخطر والهروب منه. في العقد الأخير من القرن ذاته، برزت السينما كوسيلة جديدة للسرد القصصي، وقدم المخرج الفرنسي جورج ميلييس فيلم Le Manoir du Diable ("قلعة الشيطان") عام 1896، والذي يُعتبر على نطاق واسع أول فيلم رعب في التاريخ. خلال مدته التي لم تتجاوز ثلاث دقائق، وضع الفيلم العناصر الأساسية لفن الرعب السينمائي: تجسيد الشر، الصراع ضد القوى الخبيثة، والانتصار النهائي- أو الفشل المأساوي- للبطل.
لقد تطور "فن الرعب" بشكل كبير منذ ذلك الحين، متفرعًا إلى العديد من الأنواع الثانوية التي تلبي مختلف البواعث النفسية. سواء كانت مخاوف الشخص نابعة من كائنات خارقة، أو شرور بشرية، أو أساطير قديمة، فإن سينما الرعب تقدم شيئًا للجميع.
ولأنني كنت معجبة بأفلام الرعب طوال حياتي، فقد كنت أعتقد يومًا أن نفوري من بعض الأفلام كان بسبب عدم قدرتي على التعامل مع الخوف. لكنني أدركت لاحقًا أن ما أقلقني لم يكن الخوف، بل الإفراط في مشاهد الدماء والعنف. قادني هذا الإدراك إلى استكشاف الرعب النفسي، حيث اكتشفت شيئًا غير متوقع: إن أفلام الرعب، بدلاً من أن تزيد من قلقي، ساعدتني في التعامل معه.
الهدوء بعد العاصفة
لسنوات، كنت أتجنب غريزيًا أي شيء قد يفاقم من قلقي. ومع ذلك، عندما بدأت في مشاهدة أفلام الإثارة النفسية، لاحظت شعورًا غريبًا بعد انتهاء الفيلم، إنه شعور الارتياح. ما بدا غير منطقي في البداية، سرعان ما أصبح عادة. وجدت نفسي أشاهد أفلام الرعب بعد أيام مرهقة بشكل خاص، ليس لزيادة التوتر، بل لتخفيفه. كانت التجربة، رغم كونها مثيرة للاضطراب، تمنحني شعورًا لا يمكن إنكاره بالهدوء.
في البداية، عزوت ذلك إلى مفهوم التطهير العاطفي، وهي الفكرة القائلة بأن مواجهة الخوف في بيئة تحت السيطرة تسمح بتحرير المشاعر. فالقلق غالبًا ما يعمل كقوة غامضة، يصعب تعريفها وأكثر صعوبة في مقاومتها. على عكس التهديدات الخارجية المحددة، يكمن القلق في الخلفية، بلا شكل محدد، مما يجعل تبريره أو السيطرة عليه شبه مستحيلة. لكن عند مشاهدة فيلم رعب، يصبح الخوف ملموسًا. هناك تهديد واضح- وحش، شبح، قاتل متسلسل- إنه عدو محدد يجب على البطل (وبالتالي المشاهد) مواجهته.
تشبه هذه العملية مبدأً أساسيًا في العلاج النفسي: التعرض التدريجي للمخاوف. توفر أفلام الرعب بيئة خاضعة للتحكم تسمح بالانغماس في الخوف دون أي خطر حقيقي. على عكس مخاوف الحياة الواقعية، التي غالبًا ما تكون مبهمة وغير قابلة للإدارة، تقدم قصص الرعب إطارًا منظمًا للخوف. عندما نتماهى مع البطل، فإننا ننخرط في حوار داخلي، نتحدى مصدر خوفنا، نتنبأ بالحركة التالية، وفي النهاية نختبر الشعور بالحل.
بدافع الفضول تجاه هذا التناقض، تعمقت في البحث لفهم الآليات النفسية الكامنة وراء ذلك. الدكتور كولتان سكرينفر، وهو عالم سلوك متخصص في علم نفس الرعب، أجرى دراسات واسعة حول هذا الموضوع. يوضح سكرينفر أن مشاهدة أفلام الرعب تؤدي إلى تحول في التركيز الذهني، حيث يُعاد توجيه انتباه المخ إلى تهديدات آنية ومتخيلة. يؤدي هذا الإحساس المتزايد بالحضور إلى إجبار المشاهد على العيش في اللحظة، مما يقلل من الإفراط في التفكير والقلق الزائد.
علاوة على ذلك، توفر أفلام الرعب مزيجًا فريدًا من الإثارة والحل. فاستجابة الجسم الفسيولوجية للخوف- مثل تسارع ضربات القلب، وارتفاع مستوى الأدرينالين، وزيادة التنبه - يتبعها تأثير العودة للهدوء الطبيعي، ومع انتهاء الفيلم، يمر الجسم بعملية استرخاء نتيجة للتفاعلات الكيميائية العصبية الإيجابية، مما يترك المشاهد في حالة أكثر هدوءا مما كان عليه قبل المشاهدة. يشير الدكتور سكرينفر إلى أن هذا التعرض الدوري للخوف، متبوعًا بالراحة، يمكن أن يساعد الأفراد على تطوير المرونة النفسية، حيث يتعلم الدماغ كيفية تنظيم استجابات التوتر بشكل أكثر فعالية.
بالإضافة إلى ذلك، تمنحنا أفلام الرعب إحساسًا نادرًا بالسيطرة في عالم يبدو غالبًا خارجا عن سيطرتنا. إذ يقرر المشاهد متى وأين وكيف يواجه الخوف. يمكنه ضبط مستوى الصوت، إيقاف الفيلم مؤقتًا، أو حتى تشغيل الأضواء، مما يعزز الشعور بالقدرة على التحكم. هذا التمكن من إدارة الخوف وفقًا لشروطنا يتناقض بشكل حاد مع العجز الطاغي الذي تسببه الأزمات الحقيقية.
وهذا يقودنا إلى السؤال الأهم: كيف يرتبط كل هذا بالقلق الطاغي الذي نشعر به جميعًا بسبب أحداث العالم الراهنة؟ كشخص قلق بطبيعته، أجد أن عدم اليقين هو أكبر تحدياتي اليومية لأنه يجلب معه تهديدات وجودية جديدة - عدم الاستقرار الاقتصادي، تدهور البيئة، الصراعات الجيوسياسية - وجميعها خارجة عن سيطرتي. يمكن أن يجعلنا التدفق المستمر للأخبار المقلقة نشعر وكأننا عالقون في فيلم رعب لا مفر منه، لكن الفرق أن الشرير في هذا الفيلم الحقيقي يظل خفيًا، والحل دائما غير مضمون.
على عكس حبكات الرعب التقليدية، لا تتبع مخاوف العالم الواقعي سيناريو منظمًا. لا يوجد انتصار مضمون على الشر، ولا فتاة ناجية تخرج منتصرة في النهاية، ولا وعد بالبقاء. ومع ذلك، عندما أشاهد فيلم رعب، تأخذ مخاوفي شكلًا مختلفًا. يصبح الخوف خارجيًا، متجسدًا في مخلوقات مشوهة وقوى شريرة. وخلال مدة الفيلم، يمكنني أن أشعر بالخوف- لكن بطريقة مفهومة ومحددة. سواء كان ذلك في رعب الأشباح الخارق، أو التهديد النفسي لقاتل مجهول، أو الرعب الجسدي الفظيع في فيلم Evil Dead Rise ، حيث يتحول الأحباء إلى مصادر للرعب الذي لا يوصف، فإن الخوف يكون ملموسًا، منظمًا، وقابلًا للهروب منه. يمكنني أن أغرق في الرعب دون القلق الخانق لحياة لا يمكن التنبؤ بها.
ثم، بغض النظر عن مدى رعب الرحلة، ينتهي الفيلم في النهاية. حتى لو انتصر الشر، حتى لو عاد الوحش في اللقطة الأخيرة، أخرج من التجربة بإحساس بالإغلاق. في تلك اللحظة القصيرة، واجهت الرعب، وتحملت الفوضى، وبطريقة ما، نجوت.
أفلام الرعب لا تمحو رعب الواقع، ولا تقدم حلولًا لمشاكل العالم. لكنها تفعل شيئًا لا يقل أهمية ، تذكرنا أنه حيث يوجد خوف، هناك صمود. وحيث يوجد رعب، هناك أمل. وأحيانًا، في عالم يبدو على وشك الانهيار، يكون ذلك كافيًا.