لم يبالغ من وصفوا فلسطين بأنها "قضية العرب المركزية"، فعلى مدار ثلاثة أرباع قرن، وهي في عين الأحداث، تنجذب إليها القلوب، وتنتبه العقول، وتُشحذ الهمم، ويتمنى كثيرون أن يشدوا إليها الرحال بأقدامهم، وإن كانت مشاعرهم تفيض نحوها بلا انقطاع.
إنها القضية التي سطرت جُلُّ حروب العرب المعاصرة، وأغلب نضال البعض منهم، والشطر الأكبر من المؤتمرات والندوات السياسية والفكرية، وهي التي طالما بُنيت في ركابها شرعيات، وكُتمت أفواه تحت شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، فتأجل بعض انطلاق نظم حكم إلى الديمقراطية، وتلاعب جالسون على كراسي السلطة بعقول شعوب، وبُثت دعايات ما بين ميل إلي القضية الفلسطينية، ونفور منها، أو تباطؤ في نصرتها إن دعت الضرورة، أو خوف من عواقبها، لكنها كانت في كل هذا مسطرة لقياس الانتماء والولاء، ونقطة تلتف حولها التيارات السياسية والفكرية، وتنخرط في أقوال وأفعال، تراكمت حتى صارت جبلًا عاليًا من التصريحات والتصرفات الصغيرة والكبيرة، بل صارت لدى البعض جزءًا أصيلًا من تاريخهم الشخصي.
منذ إعلان قيام إسرائيل عام 1948 وكثير من التغيرات الكبرى في عالم يمتد من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، وما يجاوره من دول لم تستطع الانفكاك من القضية الفلسطينية، خصوصًا إيران وتركيا، مرتبطة بالتحولات التي شهدتها القضية نفسها، بين ثورات، وانتفاضات، ومفاوضات، ونزال مسلح، ومبادرات، واقتراحات، وانطلاق تنظيمات وفصائل وارتفاع شأنها ثم ترنحها، وقيام أجيال تقارب القضية من زوايا متعددة، تختلف في الوسائل، لكنها تتفق، إلى حد كبير، على الغاية الكبرى، وهي تمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره.
ومن يقف الآن عند النقطة الملتهبة، الغارقة في الدم والنار، بفعل انطلاق معركة "طوفان الأقصى" التي قابلتها إسرائيل بمجاز مضاد أسمته "السيوف الحديدية"، ثم يلتفت إلى الخلف، وينظر بعيدًا ليرى بعينين مفتوحتين، وببصيرة حاضرة، أن هذه التحولات تتوزع في اتجاهات عدة، هي:
1 ـ تحول القسط الأكبر للمواجهة من "صراع عربي ـ إسرائيلي" إلى "صراع فلسطيني ـ إسرائيلي". فمن قبل كانت القضية الفلسطينية أحد الأسباب المهمة لخوض دول الطوق العربية حروبًا أربع هي: حرب 1948 و 1956 و 1967 و 1973. بدأت الحروب بمحاولة تحرير فلسطين، وانتهت عند كل دولة إلى سعيها لتحرير أرضها هي، دون نسيان مساعدة الفلسطينيين، مرة بإمداد المقاومة التي انطلقت عام 1965، إثر قيام حركة فتح، بالسلاح والمال والمؤازرة الإعلامية واستضافة القيادات الفلسطينية في مصر وسوريا ولبنان والأردن وتونس والعراق، ومرات بإطلاق المبادرات في سبيل الحل السياسي، ومن أهمها المبادرة العربية عام 2000، والتي أعلن فيها العرب أن "السلام خيار استراتيجي"، ومرة بتأييد العرب للانتفاضتين الفلسطينيتين اللتين اندلعتا عام 1987 باسم "انتفاضة الحجارة" و2000 باسم "انتفاضة الأقصى"، وتأييد بعضهم لمسار التفاوض العلني الذي انخرط فيه الفلسطينيون في مدريد 1992، والسري في أوسلو الذي انتهى بتوقيع اتفاق مع إسرائيل عام 1993، أدى لقيام سلطة فلسطينية مقيدة، بل سجينة.
وبمرور الوقت تراجع الواجب الذي تشعر به دول عربية عدة حيال القضية الفلسطينية، لاسيما مع اندلاع خلاف أو شقاق فلسطيني ـ فلسطيني، ولم يعد أي منها لديه الرغبة أو حتى القدرة في خوض حرب لصالح الفلسطينيين، بل إن بعض الأنظمة الحاكمة راحت تكتم أصوات شعوبها المنادية بالوقوف إلى جانب فلسطين، وترى أحيانًا أن أي طاقة غضبية موجهة لهذه القضية يمكن أن تتحول بالسهولة إلى رفض للأنظمة نفسها.
هنا أدرك الفلسطينيون جيدًا أنهم هم المعنيون الأصليون بقضيتهم، ورفعوا شعار "لا يحك جلدك مثل ظفرك"، وآمن كثيرون منهم، بعد أن ثبت لهم أن إسرائيل ليست جادة في السلام ولا يمكنها قبول قيام دولة فلسطينية، بأن الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد أمامهم. ولأنهم لم يجدوا بين الدول العربية من يوافقهم على هذا المسار ذهبوا ليطلبوا دعم إيران، أو وجدتها الأخيرة فرصة لتمد ذراعها أكثر إلى العالم العربي عبر القضية الفلسطينية، وفي قلبها موضوع القدس، ومركزه "المسجد الأقصى". وانتقل الفلسطينيون في كفاحهم المسلح من "المولوتوف" إلى "الصواريخ"، ومن "البنادق" إلى القاذفات"، وصنعوا بنية تحتية للفعل المقاوم، ظهر أثرها جليًّا في حرب "طوفان الأقصى".
ورأينا آثار هذه التحولات إثر اندلاع "طوفان الأقصى"، فقد تُركت غزة وحيدة، ومارست حكومات عربية أقصى درجات القمع لتمنع الشعوب من التعبير عن مواقفها. وحتى الطرف الوحيد الذي انخرط في الحرب وهو "المقاومة اللبنانية" ومعها المقاومة العراقية واليمنية، أطلق على فعله اسم "مساندة غزة"، بعد أن كان يتحدث من قبل عن "وحدة الساحات".
2 ـ تأثرت القضية الفلسطينية بالصراعات العربية ـ العربية، فخلافات حول التسوية نشأت حين أبرمت مصر اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1979 أتبعتها الأردن عام 1994، وخلافات أيديولوجية بين قوى قومية راديكالية تواجهت فيه الناصرية مع أنظمة الحكم الخليجية والملكية المحافظة، وبين حزبي البعث في العراق وسوريا، وبين توجهات ليبيا وقت حكم القذافي وغيرها من سائر الدول العربية، ثم وصول الإسلاميين إلى الحكم في السودان عام 1989 وخلافاتهم مع دول عربية عدة، ليأتي بعدها غزو العراق للكويت عام 1990 الذي قاد إلى تصدع الجبهة العربية برمتها، وصعود النزعة "القُطرية" على حساب "القومية"، وأخيرًا الخلاف الحاد بين القوى الإسلامية الفلسطينية والقوى القومية واليسارية التقليدية، الذي أحدث انقسامًا في الصف الفلسطيني، ترك آثارًا غاية في السلبية على موقف أنظمة الحكم، بل الشعوب العربية، من القضية. وأخيرًا جاء الخلاف العربي حول موضوع التطبيع مع إسرائيل، والذي يراه الفلسطينيون أنفسهم إضعافًا لموقفهم، وتراه بعض الدول العربية خطوة لا مبرر لها، بينما يراه المطبعون انحيازًا لمصلحتهم القُطرية.
3 ـ جرت بعض التحولات للتيارات الفكرية العربية حيال القضية الفلسطينية، فالشيوعيون العرب مالوا في البداية لمساندة إسرائيل من منظور "أممي" حين اعتبروها جيبًا اشتراكيًا في الشرق الأوسط، لكنهم لم يلبثوا أن كانوا في مقدمة الصفوف التي تناوئ الصهيونية، وتتعامل مع إسرائيل على أنها رأس حربة للمشروع الاستعماري الغربي بوجهه الرأسمالي السافر.
وظل التيار الإسلامي يقارب قضية فلسطين من زاوية دينية واسعة، متكئًا في هذا على إعلان إسرائيل نفسها أنها "دولة يهودية" وغلبة النزعة الدينية على رؤيتها للعالم العربي، خاصة لدى التيار اليميني المتطرف، واستدعوا هنا إرثًا دينيًا إسلاميًا في مواجهة الإرث التوارتي تارة، ومواجهة تاريخ حروب الفرنجة في القرون الوسطى التي تسمى "الحروب الصليبية" تارة أخرى، وأخذوا على عاتقهم مسألة الدفاع عن المسجد الأقصى، باعتباره "أولى القبلتين وثالث الحرمين"، ورأى بعضهم أن تحرير فلسطين يبدأ من تحرير الدول العربية، وهو عندهم وصول الإسلاميين إلى الحكم.
أما التيار الليبرالي فتوزع في مقاربته للقضية الفلسطينية بين أولئك الذين يرون الحل قائمًا في قيام الديمقراطية في البلاد العربية أولًا، ثم في صفوف الفلسطينيين ثانيًا، لتكون الشعوب هي صاحبة القرار حيال فلسطين، وبين من يدركون أن الحل لا يمكن أن يأتي إلا في ركاب الحوار مع الغرب باعتباره هو من أقام دولة إسرائيل ويدافع عنها. وهناك في هذا التيار من يطرح دولة علمانية ديمقراطية واحدة تشمل الإسرائيليين والفلسطينيين، وتقوم على أساس "مبدأ المواطنة". لكن أفرادًا من هذا التيار يغضبون كغيرهم من اليساريين والإسلاميين للنزعة العدوانية الإسرائيلية، أو إصرار تل أبيب على ممارسة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين.
4 ـ ظل التيار الرئيسي في العالم العربي، والذي ينخرط فيه عموم الناس، قابضًا على انشغاله بالقضية الفلسطينية، ينفعل بها وقت الحروب، التي تندلع من حين إلى آخر، ويطالب دومًا بعدم التخلي عنها، ويتذكر الأذى الذي لحق به وقت الحروب ضد إسرائيل. لكن من بين صفوفه، وهؤلاء ليسوا قلة، من يخشى دفع الثمن إن انخرطت بلدانهم في حروب، دون أن يضنوا بإمكانية المساعدة التي لا تجلب الألم الشديد.
وراهنت إسرائيل طويلًا على إمكانية استمالة الشعوب العربية نحوها، لتقبل وجودها، أو لا تفزع إن جار الإسرائيليون على الفلسطينيين، أو تمحو من ذاكرتها أيام المواجهات الدامية، لكن هذا الرهان ظل يعاني من خسارة تلو أخرى. وقد رأينا هذا ماثلًا في تبني الجيل العربي الجديد، أكثر حتى من أجيال سابقة، لموضوع مقاطعة الشركات التي تساند إسرائيل، أو مواصلة التعبير عن الرأي المساند للفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن استطاع منهم النزول إلى الشارع احتجاجًا لم يتردد في هذا.
5 ـ استطاع الفلسطينيون بكفاحهم أن يُعيدوا قضيتهم إلى الواجهة، وينقلوها من "المحلية" إلى "العالمية"، في وقت كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستعد لوأدها إلى الأبد، حين رفع خريطة في قلب الأمم المتحدة ليس فيها أي ذكر للضفة الغربية وقطاع غزة.
من قبل كانت إسرائيل قد نجحت في إقناع الغرب خصوصًا بأن الفلسطينيين إرهابيون، مستغلة في هذا عملياتهم الفدائية والاستشهادية التي نفذوها من حين إلى آخر، وأنهم طرف لا يريد السلام، إنما إبادة اليهود، وإزالة دولتهم. واستعانت إسرائيل في صناعة هذه الصورة الكريهة للفلسطينيين في الذهنية والمخيلة الغربية، مغلفة إياها بالصورة النمطية السائدة عن العرب في الأدبيات الاستشراقية الغربية، واستعانت في هذا بمؤسسات ومنابر إعلامية وأكاديميين كثر موزعين على معارف شتى، لكن ما ترتب على العدوان المفرط على قطاع غزة، والذي وصل إلى درجة "الإبادة الجماعية"، أعاد صياغة صورة الفلسطينيين في الغرب، لاسيما في ظل غلبة وسائل التواصل الاجتماعي، ليراهم الناس شعبًا مظلومًا ومضطهدًا، يكافح في سبيل نيل حريته واستقلاله.
وقد خلق "الانفعال" الغربي بالقضية الفلسطينية، الذي انداح من منابر الإعلام والجامعات إلى الشوارع، فرصة سانحة أمام مناصريها لتحويله إلى "أفعال" لها صفة الرسوخ والديمومة، خاصة مع اتجاه الشباب الفلسطيني نفسه من الحركة إلى الحراك، أي من الاقتصار على التنظيمات ذات الهياكل المحددة إلى الفعل الحر المنظم، الذي لا يكف عن إبداع طرق لنصرة القضية.
إن هذه التحولات المهمة تتطلب بالقطع التفكير في إدارة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي مستقبلًا بطريقة أجدى، تقلل الخسائر، وتعظم المكاسب، بعد الاستفادة من كل التجارب المؤلمة التي مر بها على مدار خمسة وسبعين عامًا، توالت فيها الانكسارات والانتصارات، وأهمها أن القضية بقيت حية في ضمير الأجيال الجديدة.
إن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام هو كيف تتحقق هذه الجدوى؟ وفي ظني أن العنصر الأول في الإجابة ينصرف إلى ضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني، فلا السلطة التي تقاسمت الوظائف مع الاحتلال أحيانًا، مضطرة أو راغبة، ولا تنظيمات المقاومة التي حملت السلاح، بوسع أي منهما بمفردها أن تحرز تقدمًا على طريق تقرير المصير، دون سياسة ذكية تجعل الدماء الزكية التي تُراق في كل مكان لا تذهب سدى. وإذا كنا هنا نتحدث عن التحولات فإن التحول الواجب الآن هو وحدة الصف الفلسطيني.
ويأتي العنصر الثاني ليتمثل في إطلاق هجوم سياسي ودبلوماسي يقلب الطاولة على إسرائيل بطرح مغاير، يتفهمه بعض العالم، ويأخذ طريقه مع الوقت إلى التعزز، ألا وهو الذهاب إلى مبادرة "الدولة الواحدة" طالما أن إسرائيل ليست جادة في "حل الدولتين"، بل إن النخبة السياسية الإسرائيلية على اختلاف توجهاتها لا تتصور حدوث هذا في يوم من الأيام، إنما هناك من يطمع في إنهاء الوجود الفلسطيني كله، بتهجير أهل الضفة إلى الأردن، وأهل غزة إلى مصر، وفلسطيني الداخل إلى لبنان.
وهذا الطرح يتطلب بالطبع تجميعًا لجهود المؤسسات والهيئات العربية والأفراد، من السياسيين والمفكرين المؤمنين بقضية الشعب الفلسطيني والعاملين على نصرتها، وقد يبدأ بأن يُعطي العرب، عبر جامعتهم، أو بأي طريق آخر، مهلة محددة لإسرائيل كي تترك الفلسطينيين يقيمون دولتهم في الضفة وغزة، بإكمال ما ورد في اتفاقية أوسلو حول قضايا الحل النهائي المرتبطة بالحدود والسيادة والمياه ووضع القدس، فإن انقضت المدة دون تحقيق ذلك، يتبنى العرب خيار "الدولة الواحدة" ويطرحونه في المحافل الدولية، ويطلبون تأييده من العالم بأسره، ثم لا ينفكون عن مساعدة الفلسطينيين، أيًا كان وضعهم تحت الاحتلال.
إن بذل الجهد، على قدر الاستطاعة، وتنسيق موقف رسمي وشعبي عربي أكثر فاعلية في الأخذ بيد الفلسطينيين بات فريضة سياسية وأخلاقية واجبة، وهنا من الضروري جذب اليهود المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني، والرافضين لقيام دولة إسرائيل، على أساس ديني، أو لممارسة هذه الدولة القتل باسم الدين اليهودي. فرغم قلة عدد هؤلاء، وحصارهم ونبذهم من قبل تل أبيب، إلا أن دورهم مهم في صناعة سردية مناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني، ومواجهة السردية الإسرائيلية ذات الطابع الديني بالأساس.
وهناك عنصر ثالث يقوم على الوعي بالغايات التي تعمل لها الحكومات الإسرائيلية المتتابعة ، ويتم إعلانها مرة، وإخفاؤها مرات، ألا وهي "إسرائيل الكبرى"، التي تمتد من النيل إلى الفرات، إن لم يكن بالاحتلال المباشر، فهذا غاية في الصعوبة، فهو بتعظيم نفوذ إسرائيل كقائد للشرق الأوسط، مثلما سبق أن طرح شيمون بيريز، ومن بعده نتنياهو.
فهذا المشروع طالما كان قائمًا، حتى ولو على الورق فسيترتب عليه استمرار إيذاء إسرائيل لمحيطها العربي، بغية إضعافه، بوسائل اقتصادية وثقافية وعسكرية وأمنية، وإجباره في النهاية على التسليم بقيادة إسرائيل للمنطقة، والتي لا تعدو أن تكون، حسب رؤية نخب عربية عدة، تمثيل بالوكالة للهيمنة الغربية على الشرق الأوسط برمته.
حيال ما يتحدث به سياسيون ومثقفون عن الغريزة العدوانية الإسرائيلية، التي لا تقيم وزنًا لبشر أو حجر، من الطبيعي أن يكون هناك الذين يطلبون التعامل مع المقاومة، بجميع فصائلها، على أنها "مفرزة أمامية" أو "خط دفاع" متقدم عن الأمن القومي العربي، لاسيما أن مفهوم "العدو" في العقيدة القتالية الإسرائيلية لم يتغير، حتى حيال الدول العربية التي أبرمت اتفاقيات سلام مع تل أبيب، ويعزز هذا التصور برؤية من يقولون إن إسرائيل لا تستطيع العيش بلا حرب، فالجيش هو جوهر الدولة ومركزها، والتماسك الاجتماعي يتطلب وجود عدو دائم على ما يبدو، والوعود المغموسة في أساطير وتصورات دينية، وأطماع دنيوية، ووظائف سياسية، مربوطة على الأرجح باندلاع النار، وسفك الدماء.
إن أخطر تحول يسري في أوصال المجتمعات العربية الآن، ولدى الجيل الجديد ، هو النظر إلى "السلام" الذي طالما ارتفعت الأصوات العربية بطلبه شاملًا وعادلًا، على أنه قد صار "ألعوبة" في يد إسرائيل، وأن الذين يرون الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتقرير مصير الفلسطينيين، سيجدون دوما من يجذبونهم إلى هذا المسار، حتى لو كان ثمن هذا باهظًا جداً، طالما أنهم يرفعون أصواتهم قائلين إن ما يلوح في نهاية طريق التسوية السلمية مجرد سراب.