يلقي الميثاق التأسيسي للأمم المتحدة، على عاتق مجلس الأمن الدولي، المكون من 15 عضوًا، المسؤولية الثقيلة للحفاظ على السلام والأمن في عالمنا. إذا نظرنا إلى الوراء على مدى 80 عامًا منذ نشأة هذا النظام الدولي، الذي خرج من أنقاض الحرب العالمية الثانية، فلا يمكن وصف أدائه إلا بالفشل الذريع. فالمجلس لم يتمكن من ضمان السلام العالمي في النصف الثاني من القرن العشرين، بينما شهد الربع الأول من القرن الحادي والعشرين حروبًا مدمرة مستعرة، من أفغانستان إلى أوكرانيا، وخاصة في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط.
تعود هياكل القوة الدولية الراهنة إلى عالم يكاد لا يُمكن التعرف عليه مقارنة بعالم اليوم. فقد وُضع ميثاق الأمم المتحدة قبل عقدين من تصفية الاستعمار في معظم الدول الإفريقية والآسيوية. وعندما تأسست المنظمة الأممية في عام 1945، كانت تضم 51 دولة فقط، أي ما يعادل ربع عضويتها الحالية البالغة 193 دولة. في تركيبته الراهنة، يُظهر مجلس الأمن نموذجًا من انعدام التوازن، حيث تمتلك خمس دول عضوية دائمة أو ما يعرف بـ P5 ، بينها ثلاث دول يجمعها تحالف استراتيجي وثيق وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، وأربع منها – بما في ذلك روسيا – تُعتبر دولًا من الشمال العالمي. في المقابل، يعاني الجنوب العالمي من تمثيل ناقص بشكل كبير في العضوية الدائمة التي تقتصر على الصين، بينما يحوز الجنوب العالمي العدد الأكبر من العضوية في الجمعية العامة، حيث تمتلك إفريقيا (54 دولة)، وآسيا (48 دولة)، وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (33 دولة).
يتمكن أي عضو دائم في الدول الخمس من منع جهود مجلس الأمن في تسوية أو حل النزاعات الكبرى باستخدام حق النقض (الفيتو) أو التهديد باستخدامه. وقد استخدمت روسيا/الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة هذه الآلية أكثر من أي بقية الأعضاء الدائمين، وأصبح هذا العامل أكثر الأسباب المعترف بها على نطاق واسع في عرقلة عمل مجلس الأمن. وعلى النقيض من ذلك، يستمد المجلس شرعيته ومصداقيته من كيفية قيام الدول الأعضاء فيه بتنفيذ تفويضها من خلال ممارسة صلاحيات نيابة عن الدول الأخرى.
تُعتبر العضوية الدورية في المقاعد العشرة غير الدائمة في المجلس مفتاحًا لترسيخ هذه المصداقية. حيث يتم انتخاب الأعضاء من قبل الجمعية العامة (أي جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة) لمدة عامين. في كل يناير، تنضم خمس دول إلى المجلس وتغادر خمس دول أخرى بعد إكمال مدتها. وفي أي وقت، هناك ثلاثة أعضاء من إفريقيا (A3)، واثنان من آسيا والمحيط الهادئ، واثنان من أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، واثنان من أوروبا الغربية و"غيرها"، وعضو واحد من أوروبا الشرقية. التشكيلة الحالية هي: الجزائر، موزمبيق، سيراليون؛ اليابان، كوريا الجنوبية؛ الإكوادور، غيانا؛ مالطا، سويسرا؛ سلوفينيا.
التمثيل المفرط واضح لصالح مجموعة أوروبا الغربية و"الدول الأخرى"، مما يعزز النفوذ الكبير لثلاث من الدول الخمس دائمة العضوية، مع إمكانية وجود دولة من أوروبا الشرقية تنضم إليهم لتكوين كتلة تصويتية من ست دول. وفي المقابل، الأمثلة على فقر التمثيل عديدة – فقط اسأل مليار مواطن هندي! كما أن غياب مقعد عربي يُعد قضية ذات أهمية، نظرًا لوجود 22 دولة عربية تضم نصف مليار نسمة، والأهمية الجيوستراتيجية الهائلة لمنطقتهم.
هناك حل بديل لغياب التمثيل المتوازن لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن. فمنذ عام 1968، يتم تمثيل دولة عربية دائمًا بالتناوب كعضو في مجموعة الدول الإفريقية أو مجموعة آسيا والمحيط الهادئ. في الفترة 2024-2025، تشغل الجزائر هذا المقعد كواحدة من دول "A3" ،وفي 2022-2023، انضمت الإمارات العربية المتحدة إلى عضوية المجلس كجزء من حصة آسيا. ومن المتوقع أن تمثل البحرين آسيا في المجلس اعتبارًا من 2026.
هذا التقليد يضعف من تماسك واستمرارية الدبلوماسية العربية التمثيلية ويطرح تحديات خاصة، بينما يمكن أن تؤدي تعقيدات العلاقات مع جيرانهم في إفريقيا وآسيا لتآكل التأثير العربي. على سبيل المثال، عندما تم انتخاب مصر وإثيوبيا في عام 2017، كانت هناك مخاوف مبررة بشأن العلاقات الثنائية العدائية بين البلدين حول حقوق المياه وبناء سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) على النيل الأزرق. لقد خيمت هذه القضية على أعمال المجلس، و لم يتمكن المجلس من معالجة موضوع السد نفسه إلا بعد انتهاء مدة عضوية البلدين.
كيف أثرت مثل هذه العوامل على قدرة المنطقة على تشكيل الأجندات الدبلوماسية؟ يصعب العثور على إجابة ثابتة بالنظر إلى التضارب بين مبدأين ينطبقان على الدول المنتخبة كأعضاء غير دائمين في مجلس الأمن. إذ يجب على هذه الدول أن تمثل مناطقها، مما يعزز شرعية قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالقضايا الإقليمية المحددة، وفي نفس الوقت يجب عليها أيضًا اتباع مصالحها الوطنية الفردية، وهذا يأتي أحيانا على حساب العلاقات الثنائية أو المتعددة الأطراف.
التطبيق العملي:
قرار مجلس الأمن رقم 1973: فرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا في عام 2011، وأطلق حملة القصف الجوي التي قادها حلف الناتو. ومع امتناع خمس دول (البرازيل، الصين، ألمانيا، الهند، وروسيا) عن التصويت، كان الدعم العربي حاسمًا في تبني هذا القرار من قبل المجلس، حيث وفر لبنان هذا الدعم من خلال تصويته الإيجابي، ممثلًا توافقًا بين دول جامعة الدول العربية في ذلك الوقت.
القرار رقم 2334 : (ديسمبر 2016) أعاد التأكيد على عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي المحتلة، ودعا الدول إلى "التمييز بين أراضي دولة إسرائيل والأراضي التي احتُلت منذ عام 1967". تم اعتماد القرار بتصويت 14-0 في الأيام الأخيرة من إدارة أوباما (مما أثار غضب إسرائيل). كانت مصر قد قدمت مسودة القرار في البداية، لكن قبل يوم واحد من التصويت، "أقنع" الرئيس المنتخب ترامب – الذي لم يتسلم منصبه بعد – الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بسحب الاقتراح، وامتثلت مصر. في اليوم التالي، قدمت أربع دول أخرى غير دائمة العضوية نفس المسودة نيابة عن مصر، وتم دعمها بالإجماع باستثناء امتناع السفير الأمريكي عن التصويت. تستحق ماليزيا ونيوزيلندا والسنغال وفنزويلا التقدير لموقفها هذا بعد خضوع العضو العربي في مجلس الأمن للضغط الأمريكي.
في فبراير 2020، واجهت دولة عربية أخرى وضعًا مشابهًا، إذ تعرضت لهجوم أمريكي مباشر، وكانت النتيجة ذاتها. قامت تونس، إلى جانب إندونيسيا، بتوزيع مسودة قرار يرفض خطة السلام الأمريكية في الشرق الأوسط، المعروفة بـ “صفقة القرن"، باعتبارها انتهاكًا للقانون الدولي. كانت الجهود الدبلوماسية في مجلس الأمن تتوقع استخدام الفيتو الأمريكي. لكن الضغوط الأمريكية لم تؤدِ فقط إلى سحب المسودة، بل مهدت الطريق لإقالة السفير التونسي المخضرم والموقر، المنصف البعتي. بالنسبة للرئيس قيس سعيد، الذي كان قد انتُخب حديثًا، بدا أن إرضاء الإدارة الأمريكية يستحق ثمن الإهانة التي تعرضت لها تونس وسفيرها لدى الأمم المتحدة.
القرار رقم 2624 : في فبراير 2022، على النقيض، كان نجاحًا للمصالح الوطنية لدولة الإمارات خلال عضويتها في المجلس؛ حيث اعتمد النص تسمية "الإرهابية" على جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن ، واعتبرها كيانا يخضع للعقوبات، بعدما كانت قائمة العقوبات تضم أفرادًا فقط، مثل زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي. امتنعت أربع دول (البرازيل، إيرلندا، المكسيك، والنرويج) عن التصويت بسبب مخاوف بشأن استخدام مصطلح "إرهاب" دون تعريف متفق عليه دوليًا، وما قد يترتب على ذلك من عواقب إنسانية سلبية على اليمنيين. بينما صوتت روسيا، التي كانت العقبة الرئيسية أمام هذا التصنيف، لصالح النص الإماراتي. وتفسير هذا الدعم الروسي غير المتوقع جاء بعد فترة قصيرة، حيث امتنعت الإمارات عن التصويت على قرارات انتقدت روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا.
من ناحية أخرى، اتخذت الكويت، خلال عضويتها كممثل عربي منتخب في 2018-2019، نهجًا أكثر شمولية. شمل ذلك تبني بيان رئاسي غير مسبوق لتعزيز التعاون بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، مما أدى إلى اتخاذ خطوات ملموسة بين الجانبين. كما كانت الكويت وراء أول قرار لمجلس الأمن بشأن الأشخاص المفقودين في النزاعات المسلحة – وهي قضية ذات صدى عالمي وأهمية وطنية خاصة بالكويتيين المفقودين بعد الغزو العراقي عام 1990-1991. إلى جانب السويد، ساهمت الكويت في القرار رقم 2401 الذي دعا إلى وقف إطلاق النار لمدة شهر في سوريا، وتم تبنيه بالإجماع بعد مفاوضات مكثفة، رغم الضغط الأمريكي والبريطاني لإجبار روسيا على استخدام الفيتو (عن طريق تقديم مشروع القرار قبل التوصل إلى اتفاق).
أما الحرب على غزة فقد اختبرت الدبلوماسية العربية بشكل غير مسبوق. لم تكن الإمارات بل مالطا هي التي قدمت أول قرار بشأن غزة، القرار رقم 2712، لتسهيل وصول السلع والخدمات الأساسية لسكان غزة في نوفمبر 2023. المفاوضات اللاحقة، واستخدام الفيتو الأمريكي، حظيت بتغطية إعلامية واسعة. لكن القرار رقم 2728 كان مميزًا باعتباره أول قرار يتم تبنيه لصالح وقف إطلاق نار (مؤقت)، بعد ما يقرب من ستة أشهر من حملة إسرائيل. وطالب النص "بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان" – على الرغم من أنه لم يكن قد تبقى سوى أسبوعين من الشهر الفضيل – واستمرت إسرائيل في هجومها بدعم من الولايات المتحدة، التي امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن يوم 25 مارس.
هذا السجل من الفشل والضعف يتناقض مع أداء الكويت كدولة حققت نتائج من خلال موازنة مسؤوليتها عن التمثيل الإقليمي ومصالحها الوطنية. ليس هناك ضمان بأن وجود مقعد عربي إقليمي مخصص حصريًا في مجلس الأمن سيؤدي إلى المزيد من الأمثلة البارزة. يكفي النظر إلى اختلالات جامعة الدول العربية لإدراك استحالة حدوث توقع كهذا. ولكن بروز صوت "A3"، حيث يتولى عضو واحد عادةً التعبير عن موقف موحد نيابة عن الاتحاد الإفريقي، يعد مثالًا يُحتذى به. ومن المؤكد أن التقسيم الحالي بين حصص المقاعد الإفريقية والآسيوية يعوق حتى ظهور قناة لصوت عربي موحد كنقطة انطلاق.