في مكتبها بالعاصمة إسلام آباد، تستقبل فاطمة عوان، الناشطة الحقوقية في منظمة "أورات" (المقابل الأوردي لكلمة نساء) اتصالات من عشرات الباكستانيات يشتكين فيها من أوضاعهن.
نفذت المنظمة، حسب عوان، العديد من البرامج الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية بشكل كبير للنساء وناشطات حقوقيات في جميع أنحاء باكستان بهدف زيادة رأس المال الاقتصادي والسياسي لهن، بهدف خلق مجتمع أكثر عدالة وديمقراطية وعطاء.
ستة أعوام مرت منذ أول مسيرة للنساء، لا تزال فكرة تظاهر الباكستانيات من أجل حقوقهن أثناء تجوالهن في شوارع مختلف المدن في البلاد تواجه معارضة شديدة في باكستان.
جسمي اختياري
تم رفع هذا الشعار لأول مرة في عام 1970 من قبل بعض الناشطات الغربيات أثناء نضالهن من أجل حقوق الإنجاب. وظهرت لافتات احتجاجية في شوارع باكستان في فعاليات اليوم العالمي للمرأة سنة 2018، إذ حملت المتظاهرات لافتات لفتاة تجلس بساقيها منفرجتين ترتدي نظارة شمسية.
تقول عوان في حديثها لموقع تامودا: "يريد الرجال التحكم في الطريقة التي تظهر بها المرأة هنا وعدم إظهار أشكال أجسامنا، لذا أبرزت اللافتات رسالة مفادها أنا أجلس بالشكل الصحيح".
وتتذكر هذه الحقوقية تلك المسيرة التي رفعت فيها لأول مرة شعار "جسمي، اختياري، كيف صرخت النسوة مطالبات بحقوقهن، وأضافت: "كانت تلك لحظتنا وأحسسنا بالقوة في الخروج للشارع، لقد تحدينا فكرة أن الرجال ينبغي أن يكونوا هم مَن يتخذون القرارات بشأن أجسام النساء".
وبعد تلك الاحتجاجات، ظهرت نقاشات في وسائل إعلام باكستانية ركزت لأول مرة الحديث عن وصاية الرجل على جسم المرأة، وتشدد عوان على أن خروج 8000 امرأة إلى الشارع قد أثار حفيظة المحافظين.
منظمو مسيرة النساء يرون أنها تهدف إلى أن تكون مجموعة ضغط، حيث تكون مهمتها انتقاد سياسات الدولة وتقديم تحليل نقدي لقضايا اجتماعية مهمة. هم يرفضون التوقعات غير الواقعية، في نظرهم، بأنه يجب على الحركة التعاون في إيجاد حلول لمشاكل النساء في باكستان.
لقد حصلت الحركة على تأييد من أشخاص يعيشون في الأحياء الغنية والمدن، وكذلك من أولئك الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة والقرى النائية.
في مختلف المدن، قدمت النساء ميثاقهن للسلطات المختصة، بما في ذلك وقف العنف ضدهن، وزيادة تمثيل النساء في اتخاذ القرارات المتعلقة بقضايا المناخ، وتوفير وصول آمن للنساء لفرص اقتصادية، وغير ذلك.
في باكستان، تظل حقوق النساء ومشاركة الحركات النسوية مثيرة للجدل بشكل كبير، نظرًا لكونها دولة ذات أغلبية مسلمة وتمثل فيها المرأة 48.54 في المئة من نسبة السكان، وتنشط فيها جماعات لا ترحب برؤية متظاهرات في الشوارع.
تصنيفات مقلقة
النساء في باكستان كن يناضلن من أجل حماية حقوقهن وتحقيق المساواة بين الجنسين منذ استقلال البلاد في عام 1947. للنساء الباكستانيات تاريخ طويل من التظاهر والتحركات الاحتجاجية، كما حدث خلال فترة الحكم العسكري للجنرال ضياء الحق في الثمانينيات.
تم تصنيف هذا البلد الآسيوي في المرتبة 153 من بين 156 دولة في تقرير منتدى الاقتصاد العالمي لعام 2022 حول فجوة التمييز بين الجنسين، حيث أن الدول الوحيدة التي تصنف أقل منها هي العراق واليمن وأفغانستان.
ووفقًا للجنة حقوق الإنسان في باكستان، فإن 90% من النساء قد وقعن ضحية لأنواع مختلفة من العنف الأسري على يد أزواجهن أو عائلاتهن؛ فيما تعرضت 47% من النساء المتزوجات للاعتداء الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب. ووفقًا لمؤسسة تومسون رويترز، تعتبر باكستان سادس أخطر دولة في العالم بالنسبة للنساء. حيث لا تشكل النساء سوى 22% من القوى العاملة المأجورة وتتلقى 18% من إجمالي عائدات العمل في البلاد.
ترى الكاتبة الباكستانية روبينا هاشم أنها لا تجد أي سبب لذعر البعض من شعار "جسمي اختياري" الذي تحول إلى صرخة للمرأة في البلاد ضد أشكال التمييز ضدها، بينما كان يتعين بالمقابل التركيز على رفض إخضاع المرأة لثقافة ذكرية لا مبرر لها.
وتتابع :" غالبًا ما يُعتبر النساء "مطيعات" تحت ذريعة الدين، بينما الإسلام كدين يحترم النساء كثيرًا ويسمح لهن بممارسة العديد من الحريات".
استمرار العنف ضد المرأة
في العام الماضي، قامت منظمة العفو الدولية بتوثيق مستويات عالية من العنف ضد النساء والفتيات في باكستان، بما في ذلك الاختطاف والاعتداء الجسدي والاغتصاب والقتل. في يونيو من تلك السنة، أعلن رئيس المحكمة العليا عن إنشاء 1,016 محكمة للنظر في قضايا العنف الأسري.
وأظهر مسح أجرته الحكومة الباكستانية للسكان والصحة سنة 2021 أن 32% من النساء قد تعرضن للعنف الجسدي في باكستان، و40% من النساء المتزوجات سابقًا وقعن ضحية للعنف الزوجي في مرحلة ما من حياتهن.
ومن المرجح أن تكون هذه الأرقام أقل من الأرقام الفعلية، وفقًا لصندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، حيث أن واحدة من كل امرأتين تتعرض للعنف لم تبحث عن المساعدة ولم تشارك تجربتها مع أي شخص خوفًا من الاستبعاد الاجتماعي أو العار.
تقول لجنة حقوق الإنسان في باكستان، وهي هيئة مستقلة تعمل على مراقبة حقوق الإنسان، في تقريرها السنوي: "على الرغم من التشريعات التي تم تمريرها لحماية وتعزيز حقوق النساء في السنوات الأخيرة، فإن العنف ضد النساء قد ارتفع". هناك حاجة كبيرة إلى سياسة تعزز من احترام الأشخاص وتقديرهم، وفق هاشم.
وتتابع في حديثها مع موقع تامودا:" تسعى حركة جسمي اختياري إلى الدعوة ضد تصوير النساء بطريقة جنسية في وسائل الإعلام،
ومنح الحرية من الاعتداء الجسدي والعنف الأسري والاغتصاب".
هناك الكثير من التقدم الذي يجب تحقيقه، حسب لجنة حقوق الإنسان في باكستان، ولكن نساء هذا البلد لن يسترحن حتى يعاملن على قدم المساواة مع الرجل مع منحهن حرية العيش والتعبير عن رأيهم بكل حرية.